لا يكون الرجل ذاكرا للموت حتى يذكر الموت
بلسانه وقلبه وجوارحه.
1. اللسان:
أ- الموتة الصغرى: كل يوم نموت فيه ونحيا.. ننام ونصحو إلى أن يأتي اليوم الذي ننام فيه لنستيقظ على نفخة الصور يوم القيامة!!.
في الحديث أن النبي صلّ الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول:«باسمك اللهم أموت»، وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» (صحيح كما في ص ج ص رقم 4650).
ليذكر الإنسان الموت كل ليلة مع منامه، بل ويذوق طعمه وإمكانية حدوثه إن ظن لحظة أنه معمر أو مخلد.. رب شروق بلا غروب.. رب ليل بغير نهار.. كم من رجل أمسى من أهل الدنيا وأصبح من أهل الآخرة؟! وكم من مزمار بات في بيت أصبح فيه الصراخ!! وكم من رجل بات يقسم ميراث أبيه فلما حل الصباح قسموا ميراثه.
ب- العزاء: أوصى النبي صلّ الله عليه وسلم أن نذكر الموت بلساننا في عزاء كل مؤمن فنقول: «لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب» (صحيح كما في صحيح بن ماجة رقم 1291).
جاء رجل إلى الفضيل بن عياض فقال: "كم تبلغ من العمر؟ قال: ستين عاما، قال: فأنت تسير إلى الله منذ ستين عاما توشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الفضيل: من علم أنه إلى الله راجع .. علم أنه بين يدى الله موقوف، ومن علم أنه بين يدي الله موقوف .. علم أنه بين يدي الله مسئول، ومن علم أنه بين يدي الله مسئول فليعد لكل سؤال جوابا.
قال الرجل وكان قد أساء: ماذا أفعل وقد أسأت فيما مضى؟!
قال الفضيل: إن كنت أسأت فيما مضى فأصلح فيما بقي، فإنك إن أسأت فيما بقى أخذت بما مضى وما بقي.
يا معرض عن عرضه وحسابه *** لا يستعد ليوم نشر كتابه
متعللا بعياله وبماله *** متلهيا في أهله وصحابه
متناسيا لمماته وضريحه *** ونشوره ووقوفه ومآبه
القول قول مصدق والفعل *** فعل مكذب بثوابه وعقابه
من قال قولا ثم خالف قوله *** بفعاله ففعاله أولى به
2. القلب:
ذكر الموت بالقلب يكون بأن يتأمل الإنسان حاله بعد موته وإلام المصير؟!.
الأعين التي التذت بالحرام سالت على وجنات، والأقدام التي سعت في الباطل دفنتها الرمال، والأيدي التي بطشت وسرقت قطعت من مفاصلها، والوجوه الناضرة والشعور الساحرة والقوام الأهيف كل هذه غزاها الدود وعلاها.
يمتلئ القلب بهذه المعاني فيقصر أمله ويستشعر قرب الرحيل ولا يعود يحدث نفسه إلا بزاده وما يجب عليه فعله.
يا أخي .. أفق من رقادك، وأحضر قلبك معك من بيتك، واعلم أنه لا نوم أثقل من الغفلة، ولا أرق أملك منالشهوة، ولا مصيبة كموت القلب، ولا نذير أبلغ من الشيب.
يا أخي.. مم خلق قلبك ؟! من صخرة أم فولاذ ؟! أتدعي العجز عن الطاعة وفي المعاصي أستاذ ؟!.
3. الجوارح:
ذكر الموت بالجوارح يكون بأن يقدم كل واحد منا ما يستطيع بذله من عمل صالح يتقرب به إلى الله، ويؤنس به وحشة قبره وينير ظلامه، ويحضر معه شهود الإثبات حين ينزل أول منازل الآخرة: القبر.
أداء الشهادة: انظر إلى هذه النماذج التي اصطحبت معها في قبرها ما تتقرب إلى ربها لتنال بها الشفاعة:
سعد بن أبي وقاص: آخر العشرة المبشرين بالجنة موتا، وقد أوصى أن يكون شاهد إثباته جبة صوف كان لقي المشركين فيها يوم بدر، فقال: أخبئها لهذا. فكفن فيها.
علي بن عبد الله بن حمدان (سيف الدولة): جمع من نفض الغبار الذي اجتمع عليه من غزواته شيئا، وعمله لبنة بمقدار الكف، وأوصى أن يوضع خده عليها في لحده، فنفذت وصيته.
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: أحد الفقهاء السبعة الذي أوصى وقال: كفنوني في ثيابي التي كنت أتهجد فيها.
ترى .. ما حالك أنت؟! أي عمل من الصالحات سيؤنس وحشتك بعد موتك؟! جبة قتال، أم لبنة جهاد، أم ثياب تهجد؟!.
قال رجل للإمام أحمد: أوصني، فقال له أحمد: انظر إلى أحب ما تريد أن يجاورك في قبرك فاعمل به.
أخي.. بادر من الآن.. الآن..الآن.. قبل أن تمرض فتضنى، وتهرم فتبلى، ثم تموت وتنسى، ثم تدفن فتطوى، ثم تيعث فتحيا، ثم تدعى، ثم توقف، ثم تجزى.
أخي.. غدا تسافر فأين زادك؟! أنقله إلى غير مسكن؟! أسفر من غير تزود؟! أقدم إلى بلاد بغير بضاعة؟!.
قيل لأحد الصالحين: مالك تدمن إمساك العصا، ولست بكبير ولا مريض؟َ فقال:
لا الضعف أوجب حملها
على ولا أني تحنيت من كبر
ولكنني ألزمت نفسي حملها *** لأعلمها أن المقيم على سفر