قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (هَذِهِ أَجْمَعُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِخَيْرٍ يُمْتَثَلُ، وَلِشَرٍّ يُجْتَنَبُ).
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ شَيءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيبلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِب الصَّومِ وَالصَّلاةِ» [الترمذي]. نحن في الخطبة الثالثة من سلسلة خطب عنوانها: (فضيلة... أخلاق تعاملية)
الخُلق: هو السَّجية والطَّبع. وعرَّفه الإمام الغزالي بأنه: (هيئةٌ في النفس راسخة، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويُسر، من غير حاجة إلى فكر ورويّة). فبإمكانِك التدرب على الخلق الحميد لتكتسبه، وبإمكانِك التطبع بالخصال الكريمة لتلتزمها. وبإمكانك التخلي عما علق بك مما لا يليق بمثلك. وعنوان خطبة اليوم: (كيف يكتسب المرء الخلق الحميد ويتخلى عن الذميم؟)
إليكم طرقاً خمسة تعين على كسب الأخلاق الحميدة، والتخلي عن الذميمة:
1-الأسرة: مستودع الأخلاق ومنبَت العقائد ومغرَس القيم، وهو أولُ مكان يتلقى فيه المرء معتقداته وأفكاره وقيمه ومعارفه. والإنسان مولود على الفطرة وأبواه يثبتانه أو يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
ولقد حدثنا القرآن عن لقمان الأب المربي الذي يغرس في ولده العقيدة الصحيحة، والأخلاق الرشيدة: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]. فنحن بحاجة إلى أبٍ يربي كحاجتنا إلى أب يُغذي، وبحاجة إلى أم مُعلِّمة كحاجتنا إلى أم مُطْعِمَة. وإنَّ من أكبر الفواجع أن ينشغل الأب عن تربية أولاده بجمع ماله وأصحابه، وأن تخرج الأم من بيتها فلا تتفرغ لغرس العقائد والأخلاق في أولادها.
2-المعلم: فالمرء يتعلم بعينيه 60%، ويتعلم بأذنيه 20%، ويتعلم بباقي حواسه 20%. فعندما ترى معلمك يجسد الأخلاق قولاً وفعلاً، تنطبع صورة الخُلق العالي فيك فلا تنساها. فقد كان سيدنا عمر قبل إسلامه رجلاً جباراً يبطش ويسيء للناس، فلما صحب معلمه سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم صار رقيق القلب في وجهه خَطَّانِ أَسْوَدَانِ مِنَ الْبُكَاءِ من خشية الله.
3-الصاحب الصادق: فإذا صاحبت الكبار صرت كبيراً، وإذا صاحبت الصغار أصابك الصَغار. إذا صاحبت صاحب الأخلاق الحسنة أصابتك عدوى الأخلاق الحسنة، وإذا صاحبت صاحب الأخلاق السيئة أصابتك عدوى أخلاقه.
4-المجاهدة: إنَّ من طبيعة النفس أنها لا تحب الالتزام بالآداب، فإذا أردت أن تزداد أخلاقك رفعةً فيجب عليك أن تجاهد نفسك وتغالبها وتحملها حملاً على الخلق الحسن.
5-الدعاء: وهو سؤال المولى سبحانه أن يُخَلِقَك بالأخلاق الحسنة وأن يرفع عنك سيئها.
كان رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، دعا: «اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» [مسلم].
أيها الإخوة: هي خمسة بها يكتسب المرء الخلق الحميد ويتخلى عن الذميم: أسرته ومعلمه وصاحبه ومجاهدته نفسه والدعاء،
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ما شيءٌ أَثْقَلَ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ البذيء» [الترمذي].